
تشهد الساحة الإنسانية في قطاع غزة تصعيدًا في محاولات الشركات الأمريكية لتعزيز حضورها تحت غطاء العمل الإغاثي، وتسعى للتغلغل داخل النسيج المجتمعي الفلسطيني عبر علاقات متينة مع “عقال” المخاتير والعشائر المحلية، بهدف السيطرة على توزيع المساعدات والإدارة المباشرة لها.
ومن أبرز هذه الشركات، “GHF”، التي أثارت جدلاً واسعاً بعد تحولها من جهة إغاثية إلى أداة لجمع المعلومات الأمنية، وفرض سيطرتها على المساعدات بطريقة أدت لسقوط عشرات الضحايا المدنيين.
وكشفت مصادر موثوقة أن هذه الشركة حاولت بناء جسور مع مخاتير وعشائر في القطاع من أجل تنظيم قوائم المستفيدين وتثبيت وجودها، لكنها واجهت رفضاً شعبياً قوياً من المخاتير الذين لم يقبلوا التعاون معها، معتبرينها شريكاً في تعميق المعاناة.
الأدوار الأمنية والتنسيق مع جهات محلية
وفي هذا السياق، أكد الدكتور علاء الدين العكلوك، رئيس ملتقى الإصلاح والعشائر، أن الشركة سعت للانخراط مع مخاتير وجمعيات محلية لتسهيل توزيع المساعدات، لكنها اصطدمت بتحذيرات واسعة من التعامل معها، بسبب تورطها في أعمال عنف ضد الفلسطينيين وتحويل مواقع التوزيع إلى ما يشبه معسكرات احتجاز.
وفي الجانب الأمني، أكد مصدر في المقاومة أن الشركة تُنسق مع جهات محلية، منها عصابة “أبو شباب”، لتوسيع نفوذها عبر أدوات مدنية، مستخدمة عمليات اعتقال وجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء العمل الإغاثي، ما يجعل استمرارها في القطاع مستحيلاً أمنياً وقانونياً.
ورفعت الجهات الدولية شكاوى قانونية ضد الشركة في سويسرا، حيث تواجه إجراءات لإلغاء تسجيلها ورفع قضايا جنائية ضد مسؤولين فيها بتهم دعم جرائم القتل والإبادة في غزة.
ظهور منظمات جديدة وردود الفعل المحلية
وفي ظل تراجع نشاط “GHF”، برزت منظمة أمريكية أخرى تدعى “اتحاد الأديان” تعمل شمال قطاع غزة، وقد نجحت في إدخال مساعدات لصالح مؤسسة “انيرا”، التي تعتمد بدورها على منظمات محلية في توزيع الدعم.
وهذه المنظمة التي تأسست عام 2013 لتعزيز التضامن بين الأديان، يقودها السوري شادي مارتيني، الذي شارك في فعاليات برعاية الكنيست الإسرائيلي، ما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية.
ومنح الجيش الإسرائيلي هذه المنظمة الضوء الأخضر للعمل في غزة منذ منتصف الشهر الماضي، رغم معارضة إسرائيلية وأمريكية لتجربة مؤسسة “انيرا” التي تتعامل مع العشائر لتأمين المساعدات، مخالفاً رغبة الاحتلال في التوزيع الفوضوي.
وفي ذات الوقت، أعلنت عصابة “ياسر أبو شباب” في رفح عن تشكيل ذراع مدني للتعامل مع العشائر والعائلات في توزيع المساعدات، خطوة قوبلت بإدانة قوية من تجمعات العشائر المحلية.
ووصف الشيخ سالم الصوفي، رئيس تجمع قبائل وعشائر البادية، هذه التحركات بأنها تمثل محاولات لتجميل وجوه فقدت ثقة الشعب، مؤكدًا أن هذه الجهات لا تعبّر عن تطلعات الفلسطينيين ولا كرامتهم، ولن تجد مكانًا وسطهم.
وأضاف الصوفي أن الاحتلال لا يحمي سوى أدواته المؤقتة، التي يتخلى عنها عند انتهاء مصالحه، مشيراً إلى أن الشعب الفلسطيني الصامد لن يسمح لاختطاف تمثيله عبر أدوات تخدم الاحتلال.
وختم بدعوة صريحة للعودة إلى صفوف الشعب الوطني المقاوم، مشددًا على أن العزة والكرامة لا تتحقق إلا بالتمسك بالمشروع الوطني الفلسطيني المقاوم.