محمود الهباش.. راعي جيش لحد في غزة

لم يكن مستبعدًا أو غريبًا إعلان العميل المجرم ياسر أبو شباب وقوف محمود الهباش مستشار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خلف عصابته التي تنشط شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
الهباش الذي يشتهر بتاريخ قذر، كان له أدوار تخريبية في القطاع ودعم خلايا مهمتها افتعال فوضى وفلتان أمني وعمليات تفجيرية للانتقام من افتضاح أمر فساده قبل هربه إلى مدينة رام الله وسط الضفة الغربية.
ولم يكتف خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة بتطابق موقفه مع الاحتلال بل راح صوب تحقيق حلمه بالعودة على ظهر دبابة إسرائيلية عير ميلشيات مأجورة تدعمها السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” والإمارات من خلال تيار القيادي محمد دحلان لإنهاء المقاومة.
من هو محمود الهباش؟
كانت البداية باتصالات بين الهباش وياسر أبو شباب الذي فر من سجون الأجهزة الأمنية في غزة بعدما كان معتقلا على تهم جنائية ثم تطورت من خلال العميل بهاء بعلوشة.
بعدها استغل الهباش المكرمة السعودية لأهالي غزة لوضع أسماء عصابة ياسر أبو شباب دون أهليتهم ضمنها للقاء بهم في مكة المكرمة سرا وكان أبرزهم حمزة المصري.
وعصابة ياسر أبو شباب عبارة عن ميليشيا مسلحة تعمل لصالح الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وتنفذ عمليات بحث وتفتيش نيابة عنه.
اللقاء بين الهباش ومجموعة أبو شباب لم يكن لقاءً عابرًا أو اجتماعيًا، بل تم تحت غطاء “مكرمة أهالي الشهداء”، لتجميل صورة المجموعة أمام الحجاج الفلسطينيين.
الاجتماع شارك فيه شخصيات بارزة من المجموعة، بينها حمزة المصري، وهو عنصر ميداني متورط في التنسيق مع الاحتلال وعضو في شبكة افيخاي.
محمود الهباش ويكيبيديا
الهباش يتولى بقرار من عباس مسؤولية تقديم دعم ميداني ولوجسيتي لأبو شباب، التي تورطت بعمليات ضد المقاومة وسلمت معلومات للاحتلال وتسلمت أسلحة إسرائيلية.
الدور الخفي للهباش يسلط الضوء على تنسيق عميق، لا يمكن فهمه إلا كحلقة ضمن مشروع أكبر لإجهاض المقاومة من الداخل تحت مظلة السلطة الفلسطينية.
ياسر أبو شباب كشف لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن أن الهباش أول من دعمه ولبّى طلب مساعدته، وقدم له “الدعم الكامل”.
وتابع أبو شباب: “نقلت المساعدات عبر الهباش مباشرة، وكان يؤمّن لنا الوجود في رفح ويوفر لنا الغطاء”.
من هو ياسر أبو شباب؟
لكن الأمر لم يقتصر على المساعدات فقط، بل اعترف أبو شباب بحصوله على أسلحة من جيش الاحتلال الإسرائيلي بهدف “مقاتلة حماس”، في تطور خطير يؤكد وجود شبكة عميلة داخل غزة تعمل بالتنسيق مع الاحتلال والسلطة.
ورغم محاولات لاحقة منه للتنصل من اعترافاته، وإنكار تصريحاته بمقابلة موثقة بالصوت والصورة، فإن رواية الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة جاءت لتحسم الموقف، بإعلان نزع الهوية الفلسطينية عنه واعتباره خائنًا وعميلًا يجب التعامل معه وفق ما يليق بالخونة.
دور الهباش بملف أبو شباب لا يرى إلا أنه دليل إضافي على ممارسة السلطة الفلسطينية برئاسة عباس دورًا وظيفيًا لصالح الاحتلال بضرب وحدة الصف الوطني، وإسناد مشاريع تصفوية هدفها تحييد المقاومة أو القضاء عليها من الداخل.
فضيحة محمود الهباش
وبات واضحًا أن السلطة، فاقدة الشرعية الشعبية أو التمثيلية، تستثمر بمشاريع تنهك غزة سياسيًا وأمنيًا، وتفتح الباب أمام مجموعات خارجة عن السياق الوطني للعمل كمليشيات بديلة، تقدم نفسها كـ”أداة أمنية” للاحتلال بغزة.
ولا يمكن تفسير دور الهباش الذي يمثل السلطة لقربه من عباس ومليشيات عميلة للاحتلال كمجرد خطأ أو سلوك فردي، بل سياسة ممنهجة تنذر بخطورة غير مسبوقة.
وتتخلص المحاولات في إعادة إنتاج لوظيفة “جيش لحد” لكن هذه المرة في غزة بعد أن صنعت في الضفة الغربية.
وتنشغل السلطة بأكثر محطة تاريخية تباد فيها غزة عن بكرة أبيها بتصفية حسابات سياسية مع المقاومة، حتى لو تطلّب التحالف مع الاحتلال من عبر محمود الهباش وأمثاله.
محمود الهباش السيرة الذاتية
ولد محمود صدقي الهباش عام 1963 في مدينة غزة، وهو لاجئ من قرية جورة عسقلان المهجرة عام 1948.
ينحدر من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة وحصل على شهادة الدكتوراه في مجال العلوم الإسلامية.
يشغل حاليا منصب قاضي القضاة، ومستشار عباس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، فيما شغل سابقًا عدة مناصب منها: وزيرا للشؤون الاجتماعية، وللزراعة، وللأوقاف والشؤون الدينية.
وقبل التحاقه بالعمل الحكومي، أسس عدة مؤسسات وإدارتها، فكان المؤسس لمركز السبيل للدراسات والإعلام، ودار القرآن الكريم في غزة.
وشغل منصب رئيس تحرير صحيفة النصيحة ومجلة الاتحاد، كما عمل أيضًا محاضرًا في مجال الشؤون الفلسطينية والإسلامية في جامعتي الأقصى والقدس المفتوحة.
فساد محمود الهباش
انضم الهباش إلى حركة حماس عام 1994، لكنه خرج من صفوفها لاحقا ليقدم نفسه كمستقل ثم أسس حزب الاتحاد لممارسة العمل السياسي.
لم يكتب لحزبه النجاح، وبعد إنشاء السلطة الفلسطينية في نفس العام، انضم إلى حركة فتح التي يرأسها أيضا الآن محمود عباس.
“الفجور في الخصومة” من الهباش ضد حماس، يعود إلعدم تمكنه من الصعود داخل الحركة إلى مناصب قيادية.
ومع أحداث الانقسام التي جرت بعد عدم تمكين حركة حماس من السلطة إثر فوزها بالانتخابات التشريعية لعام 2006، كان الهباش ممن غادر غزة نحو الضفة الغربية.
ويسود أراضي السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) انقسام سياسي منذ يونيو 2007، بسبب الخلافات الحادة بين حركتي “فتح” و”حماس”، فيما لم تفلح الوساطات الإقليمية والدولية في إنهائه.
ومنذ خروجه من قطاع غزة، سخر الهباش الآيات القرآنية والأحاديث والشواهد الدينية وتطويعها لإدانة حماس عبر منابر المساجد والخطب السياسية.
وثائق مهمة كشفت عن علاقات مشبوهة للهباش, تتعدّى عمله بوزارة الأوقاف ومهامها المتعلقة بإدارة المساجد والحج والعمرة, لتفصح عن تحريض على تنفيذ مهمات أمنية ضد حماس في غزة, بالإضافة للتعاون الأمني مع الاحتلال.
من هو حمزة حمزة المصري؟
وأظهرت علاقة متينة للهباش مع جهاز الأمن العام الإسرائيلي”الشاباك”, وعقده اجتماعات مع قادته لتبادل المعلومات الأمنية. كما أفصحت عن عملية اختلاس مساعدات من إحدى الشخصيات السعودية للفلسطينيين.
ووفق الوثائق يمتلك الهباش الذي هرب من غزة عام 2007, عقارات تتضمن أراضي وشققا, بالإضافة للتستر على فساد لموظفين كبار بوزارة الأوقاف.
ونشبت خلافات بين الهباش ورئيس حكومته آنذاك رامي الحمد لله, إذ طالب الأخير بإدراج ميزانية الأوقاف ضمن ميزانية الحكومة في وزارة المالية.
إلا أن الهباش رفض بشدة وخرج من آخر اجتماع للحكومة غاضبا كونه يرغب بالتحكم بشكل أكبر في الأموال.
وفي أكتوبر 2019، انتشرت صور فاضحة لمحمد محمود الهباش في ملهى ليلي بفندق الموفنبيك برام الله وبرفقته فتيات.
من هو غسان الدهيني؟
وألقي القبض على محمد بالشهر الذي سبقه من جهاز مكافحة المخدرات وبحوزته مواد مخدرة في منطقة أمنية مشددة في رام الله لا تبعد كثيراً عن منزل عباس.
إلا أن شقيقه أنس وكيل النيابة تدخل وعمل على الإفراج عنه خلال أقل من ساع.
ولا يقتصر الأمر على ابنه محمد فقط، ففي شهر يوليو من نفس العام، وفي حفل زفاف الابن الأكبر أنس انتشرت مقاطع له وهو يفحط بسيارته ويعربد رام الله دون محاسبة من أحد.
كل هذا جاء بعد أن عين الهباش ابنه الذي تخرج من الثانوية العامة بنسبة 53 بالمئة ودرس بكلية الشرطة في مصر، في منصب معاون وكيل نيابة، وبعد سنة جرت ترقيته لمنصب وكيل نيابة عامة.
رقى الهباش ابنته إسراء في ديوان قاضي القضاة إلى منصب “مدير” دون أن يكون هناك ترقيات في المكان.
وفي ديسمبر 2013، أطلق مجهولون الرصاص بكثافة على مكتب الهباش في رام الله دون إصابات أو معرفة المنفذين.
واليوم يريد الهباش أن يعود إلى غزة فيما يبدو بعد انتهاء حكم حماس، وهو الهدف “من هذه الحرب”، وفق الرواية الإسرائيلية