خلية أفيخاي تحرض ضد آلية حماية العشائر لقوافل المساعدات في غزة

في الوقت الذي سطرت فيه العشائر الفلسطينية إنجازًا ميدانيًا بالغ الأهمية عبر تأمين دخول 140 شاحنة مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة من دون اعتراض أو نهب، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بحملة تحريض منسقة ضد هذه الآلية.
وقاد حملة التحريض خلية “أفيخاي” وأذرعها من الذباب الإلكتروني التابع لدول التطبيع العربي، في محاولة يائسة لضرب هذا النموذج المجتمعي الناجح، وتشويه صورة الفاعلين المحليين الذين تصدوا للفوضى والسرقة والجوع.
وشهد يوم الأربعاء دخول 140 شاحنة مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة، 40 منها إلى غزة وشمالها، و100 إلى الجنوب، وسط تأمين عشائري كامل ودون تسجيل أي حالة اعتراض أو سرقة، في مشهد استثنائي لم يتكرر منذ مارس/ آذار الماضي.
وأكدت مصادر ميدانية أن هذه القوافل جرى تأمينها وتخزينها في مخازن واقعة تحت إشراف العائلات والعشائر الفلسطينية، في رسالة واضحة أن هناك قدرة ذاتية داخل المجتمع الفلسطيني على حماية حدّه الأدنى من مقومات البقاء.
وبمجرد الإعلان عن هذا التطور، خرجت المنظومة الإعلامية المعادية — من تل أبيب إلى أبوظبي، مرورًا بعمّان والمنامة — في هجوم تحريضي مبرمج، يشي بمقدار الانزعاج من هذه الخطوة.
ولم يوفر الذباب الإلكتروني التابع لخلية “أفيخاي” وسيلة إلا واستعملها: من التشكيك بنزاهة التوزيع، إلى اتهام العشائر بالولاء لفصائل المقاومة، مرورًا بترويج مزاعم عن عودة “سيطرة حماس على المساعدات”، وهي الرواية التي تبنتها مباشرة حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
والتحريض لم يكن عشوائيًا، بل جاء ضمن حملة سياسية وأمنية متعددة الطبقات، تمخضت عن إعلان مشترك لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس، أعلنا فيه أنهما وجّها الجيش إلى إعداد خطة خلال 48 ساعة لمنع “استعادة حماس السيطرة على المساعدات”.
وهي رواية تستبطن هدفًا خطيرًا: إعادة تبرير سرقة المساعدات الدولية من قبل الاحتلال نفسه، أو عبر واجهات فلسطينية تابعة له، بزعم منع فصائل المقاومة من الاستفادة منها.
ويأتي هذا الإعلان في سياق متكرر، دأب فيه الاحتلال على استخدام رواية “سرقة حماس للمساعدات” لتقويض أي قنوات إغاثة غير خاضعة للرقابة الإسرائيلية، أو تلك التي تتم خارج وكلائه المحليين.
لكن هذه المرة، ما أزعج تل أبيب لم يكن فقط احتمال استفادة فصائل المقاومة من المساعدات، بل نجاح نموذج العشائر كقوة مجتمعية فاعلة خارج أطر التنسيق الأمني والهيمنة الاحتلالية.
هجوم الذباب الإلكتروني: تحريض مكثف ومتزامن
بالتزامن مع بيان نتنياهو وكاتس، نشطت حسابات الذباب الإلكتروني المرتبطة بشخصيات معروفة في “خلية أفيخاي”، وهي الشبكة التي تديرها المخابرات الإسرائيلية بالتعاون مع أجهزة أمنية عربية لتلميع رواية الاحتلال وتضليل الرأي العام العربي.
أحد أبرز وجوه هذا الهجوم كان أمجد أبو كوش، الذي نشر تدوينة مطولة تهاجم بصورة غير مباشرة أي فعل تضحي يهدف لتأمين سبل الحياة الكريمة في غزة.
وسخر أبو كوش ممن يخاطر بحياته لحماية شاحنة مساعدات أو تأمين قوت يومي، واعتبر أن “البطولة الحقيقية” تكمن في القبول بالهزيمة والانكفاء، وليس في المحاولة الفاعلة لمواجهة الحصار والجوع.
ويؤكد مراقبون أن هذا الخطاب لا ينفصل عن السياق الذي أراد أن يُظهر مقاومة الاحتلال، بما فيها الصمود المدني في وجه الجوع، وكأنه عبث لا طائل منه.
ما طرحه أبو كوش يتماشى بدقة مع السردية الإسرائيلية التي تقول إن غزة “سُحقت ولم يعد هناك ما يمكن الدفاع عنه”، وأن كل ما تبقى مجرد استثمار عبثي في الدم والدمار.
وبهذا الصدد زعم العضو في خلية أفيخاي باسم عثمان بأن شاحنات المساعدات التي دخلت قطاع غزة يوم الأربعاء بتأمين من العشائر تم تخزينها في مخازن لوزارة التنمية في غزة، محاولا بذلك التلميح إلى حركة حماس واستدعاء رد فعل إسرائيلي.
التضليل كأداة تجويع
يؤكد مراقبون أن الأخطر في حملة خلية أفيخاي ليس فقط التحريض بل التواطؤ في الجريمة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني. فالتحريض ضد آلية حماية العشائر وقوافل المساعدات، يتقاطع موضوعيًا مع أهداف الاحتلال في استمرار تجويع غزة، من خلال:
منع إنشاء أي قنوات توزيع محلية نزيهة خارج سيطرة الاحتلال أو وكلائه.
شيطنة أي بنية اجتماعية فلسطينية قادرة على فرض النظام، مثل العشائر.
إعادة هندسة المشهد الداخلي في القطاع لصالح الفوضى والنهب عبر مليشيات موالية للاحتلال.
تبرير القصف أو التدخل العسكري الإسرائيلي في حال نجاح هذه النماذج في كسر الحصار أو تثبيت معادلة داخلية مضادة للفوضى.
خطاب التخوين والتبعية
لم تتوقف الحملة التحريضية عند حدود التشكيك، بل تخطتها إلى تخوين العشائر نفسها واتهامها بالولاء لحماس أو بالعمل تحت مظلتها. هذا الخطاب، الذي تغذيه أطراف في رام الله وأبو ظبي، يهدف إلى ضرب أي حاضنة مجتمعية قد تعيد ترميم النسيج الوطني في القطاع.
في هذا السياق، لم يكن غريبًا أن يعمد بعض المحسوبين على السلطة الفلسطينية إلى التشكيك في “نوايا العشائر”، وربط هذا الجهد الميداني بقوى سياسية هم بالأساس في خصومة معها، وهو ما يكشف أولويات هذه الأطراف: إبقاء غزة غارقة في الفوضى والجوع مقابل حرمان خصومهم من أي إنجاز شعبي أو إنساني.
انتصار جزئي لكنه مهم
رغم هذا التحريض والتشويه، فإن ما تحقق على الأرض مهم واستراتيجي. قدرة العشائر على تأمين دخول وتخزين 140 شاحنة مساعدات دون سرقة أو نهب، وإيصالها لاحقًا عبر مؤسسات دولية مثل برنامج الغذاء العالمي، يؤسس لنموذج مجتمعي بديل عن نماذج النهب والفوضى التي غذّتها قوى الاحتلال ووكلاؤه.
هذا النموذج بحاجة إلى حاضنة شعبية صلبة، وحماية إعلامية تفضح حملات التضليل، وتكشف أن خلية أفيخاي ومنصاتها الإلكترونية ليست مجرد أدوات تحريض، بل شريك مباشر في الجريمة المستمرة بحق شعب محاصر، يُمنع من الحياة كما يُمنع من الموت بكرامة.
يشار إلى أن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أكد أمس الثلاثاء بأن ما لا يقل عن 410 مواطنين فلسطينيين قتلهم الجيش الإسرائيلي أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات من مراكز إغاثة جديدة في غزة.
ويأتي هذا بعد ما يقرب من شهر من بدء عمل “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة في 27 أيار/مايو في مراكز مختارة، متجاوزةً الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى القائمة.
وصرح ثمين الخيطان، المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان للصحفيين في جنيف بأن نقاط توزيع الغذاء التابعة للمؤسسة ارتبطت في كثير من الأحيان بالارتباك وإطلاق النار حيث يندفع الناس اليائسون والجياع للحصول على الإمدادات.