
ما يجري في قطاع غزة اليوم ليس فقط مأساة إنسانية، بل مشهد لجريمة متواصلة تجري على مرأى العالم، وبدعم ضمني من أطراف دولية تزعم الحياد والعمل الإنساني، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي.
أوروبا، التي لطالما قدّمت نفسها كفاعل أخلاقي على المسرح الدولي، انزلقت في الأزمة الغزّية إلى موقع المتواطئ الصامت، بل والمشارك فعليًا في سياسة التجويع، من خلال تضليل إعلامي خطير وروج لاتفاقات لم تُنفذ، تاركةً أكثر من مليوني إنسان يواجهون الجوع بالمطلق.
الاتحاد الأوروبي يروّج لوهم الإغاثة
وفي خضم الجوع والاحتياج الحاد، ضجّت وسائل الإعلام بتصريحات أوروبية تتحدث عن اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي يسمح بإدخال المساعدات إلى غزة.
والخبر كان كافيًا لإشعال الأمل، لكنّ الواقع سرعان ما كشف الكارثة لا مساعدات دخلت، ولا اتفاق نُفذ، وإنما فقط وعود أُطلقت لتخفيف الضغط السياسي والإعلامي عن الاحتلال.
والنتيجة كانت مأساوية الناس في غزة تعاملوا مع تلك التصريحات على أنها التزام فعلي، وبدأوا بتقنين استهلاكهم للطعام والماء على أساس أن الإغاثة قادمة. لكن شيئًا لم يصل، وتركت الأسر تواجه الجوع بعد أن أفرغت ما تبقى لديها.
بيئة مثالية للنهب والاحتكار
وغياب المساعدات ووجود ضجيج إعلامي حولها خلق فرصة ذهبية للمحتكرين واللصوص. ففي حين كانت الناس تتريث في شراء الغذاء، قام تجار وأصحاب مصالح بشراء كميات السوق القليلة من المواد الغذائية بأسعار منخفضة، ليعيدوا بيعها لاحقًا بأسعار خيالية.
واللافت في هذه الجريمة المتواصلة هو الصمت الكامل من الجانب الرسمي الفلسطيني والعربي. لا موقف واضح من السلطة الفلسطينية، ولا تحرّك من حكومات عربية، وكأن ما يجري أمر عابر.
والأسوأ أن مؤسسات المجتمع المدني، سواء الفلسطينية أو العربية، تغيب تمامًا، فلا تصريحات، ولا حملات ضغط، ولا حتى استنكار للكارثة.
أما الجاليات الفلسطينية والعربية في أوروبا، فبقيت ساكنة، دون أي حراك سياسي أو حقوقي حقيقي، رغم أن الفضيحة تدور في محيطهم المباشر، وحتى وسائل الإعلام الكبرى، العربية والغربية، لم تقترب من الموضوع، وكأن كشف تواطؤ الاتحاد الأوروبي من المحرّمات.
شراكة في الجريمة
وفي تحليل واضح للمشهد، وصف الكاتب السياسي الدكتور إياد القرا ما حدث بأنه “خداع ممنهج”، لا يمكن تفسيره كخطأ أو سوء تنسيق. بل هو جزء من سياسة تجويع مقصودة، تُدار بتنسيق دولي.
فالمواطنون، بعد إعلان أوروبا، أحجموا عن شراء ما تبقى من غذاء معتقدين أن الأزمات ستُحل. لكن بدلاً من الإغاثة، ظهر اللصوص والتجار الكبار، فاستولوا على ما تبقى، وتحولت أرغفة الخبز إلى كعك فاخر لا يصل إلا لأصحاب المال.
وهذه ليست تداعيات حرب فقط، بل قرار سياسي محكم، الغرض منه خنق غزة عبر الضغط الغذائي، وبمباركة دولية.
ومنذ بداية الحرب، لم يفرض الاتحاد الأوروبي أي عقوبات جدية على الاحتلال، ولم يتحرك لفتح ممرات إنسانية حقيقية. كل ما صدر عنه كان بيانات سطحية كررت الرواية الإسرائيلية عن “التنسيق الأمني” بشأن المساعدات.
وكشفت تقارير إسرائيلية أن إدخال المساعدات يتم استخدامه كورقة ضغط وتكتيك عسكري. الاحتلال يفتح الباب يومًا، ثم يغلقه أسبوعًا، وكل ذلك يحدث تحت أنظار العالم، وبتغطية دبلوماسية أوروبية.